الرؤى والمنامات
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الرؤى والمنامات
ملخص الخطبة:
1- رؤيا يوسف عليه السلام ورؤيا عزيز مصر وتأويلهما. 2- رؤيا الأنبياء وحي. 3- الرؤيا
الصادقة من الوحي وهي من الله. 4- الحلم من الشيطان. 5- مما يراه النائم ما هو حديث نفس.
6- تعبير الرؤيا علم لا يجوز أن يتحدث فيه إلا من يعرفه. 7- الاعتماد على الكتب في تعبير
الرؤى.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون اتقوا الله حق التقوى.
أيها المؤمنون:
إن الرؤى والأحلام تشغل كثيراً من الناس لأنه ما من يوم إلا ويحصل لهم فيه
رؤى أو أحلام، والشرع المطهر جاءنا بتفصيل أحكام الرؤى وتفصيل أحكام
الأحلام وما يتصل بهذه وتلك، بل إن أصولها جاءت في القرآن الكريم، ألم تر
سورة يوسف عليه السلام حيث أخبرنا جل وعلا أن يوسف عليه السلام رأى رؤيا
ثم تحققت هذه الرؤيا بعد كثير من السنين إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين [يوسف:4]. قال جل وعلا في آخر السورة: ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً [يوسف:100].
نعم إن إخوته
كانوا هم الكواكب وكان أبوه وأمه هما الشمس والقمر، كذلك في تلك السورة
أخبر الله جل وعلا عن الملك الكافر أنه رأى رؤيا فجاءت رؤياه حقاً قال جل
وعلا عن الملك: وقال
الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر
يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين[يوسف:43-44].
ونبينا عليه
الصلاة والسلام أول ما بدأ به الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا
جاءت مثل فلق الصبح، يعني يراها كما هي، عياناً في الواقع كما رآها
مناماً. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة))[1].
قال كثير من العلماء: لعل معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول
ما بدأ به الوحي أنه يرى الرؤيا فتجيء مثل فلق الصبح فاستمر ذلك معه قبل
نزول جبريل عليه السلام عليه ستة أشهر ثم إنه عليه الصلاة والسلام استمرت
نبوته ورسالته ثلاثاً وعشرين سنة فكانت الرؤيا نصيبها جزءاً من ستة
وأربعين جزءًا من النبوة.
والرؤى لها
مقام عظيم، من أول البشرية كان الناس يعتنون بها لأن أمرها غريب ولأن
شأنها عجيب، ولهذا قلّ أن يكون زمن إلا وفيه معبرون يعتنون بتعبير الرؤيا
ويهتمون بذلك لأنها تشغل الناس.
والله جل وعلا
بين أصول الرؤى وأنها تنقسم إلى رؤيا من المسلم المؤمن الكامل، وتلك تكون
رؤيا حق، وكذلك قد تكون الرؤيا الحق من الكافر الذي يشرك بالله جل وعلا.
قال أهل العلم: الروح - روح الإنسان - ثلاثة أنفس. فإن الروح منقسمة إلى
أنفس كما قال جل وعلا: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تَمُت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى[الزمر:42].
فالروح أنفس، والأنفس في حال المنام منها نفسٌ تكون مع النائم يتردد بها نفسه وتستقيم بها حياته.
ونفسٌ أخرى
يقبضها الله جل وعلا ويتوفاها فتكون عنده. والنفس الثالثة تسرح وتذهب
هاهنا وهناك منفصلة عن البدن، وكل هذه الأنفس قريبة من البدن تعود إليه في
أقرب من لمح البصر.
أما النفس التي
تتجول فهذه النفس هي التي يحدث منها ومن تجوالها الرؤى والأحلام، فإذا
أمسكها ملك وضرب لها الأمثال إما بالألفاظ وإما بالأشكال وإما الوقائع
والذوات والقصص فإن الرؤيا تكون حينئذ من ضرب الملك، وهذا القسم هو الرؤيا
التي هي الحق.
والقسم الثاني
أن يأخذها الشيطان فيتلاعب بها تلاعباً، يري الإنسان ما يغيظه، ويري
الإنسان ما يكرهه وينغص عليه منامه، فقد جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: يا رسول الله رأيت البارحة كأن رأسي قطعت فأخذت أتبعها قال
عليه الصلاة والسلام: ((لا يخبر أحدكم بتلاعب الشيطان به في منامه))[2].
كذلك قد تكون
تلك النفس تتجول ويؤثر عليها تعلقها بالبدن، فإذا شبع الإنسان مثلاً أثر
شبعه على تلك النفس فإذا كان في نفسه من الخواطر ما فيه أثر ذلك على نفسه
فرأى ما شغل باله أو رأى ما أثر عليه من بدنه، لهذا ثبت في الصحيح صحيح
مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الرؤيا ثلاثة أقسام، فمنها ما هو حقٌ يضربه الملك ومنها ما هو تلاعب يتلاعبه الشيطان بأحدكم، ومنها ما هو حديث نفس))[3].
وهذه هي أقسام الرؤيا فمنها ما يكون حقاً يضربه الملك لك أيها المؤمن، بل
يضربه الملك للمؤمن والكافر، فيكون بتلك الأمثال بشارات يعقلها العلماء
كما قال جل وعلا: وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون[العنكبوت:43].
ومنها ما يكون
من تلاعب الشيطان، يُري الشيطان نفسه للإنسان، يعني يري نفسه التي أخذها
في المنام وذهب بها إلى هاهنا وهاهناك، يريه أشياء مفزعة يريه أشياء
تحزنه، فيكون الإنسان في منامه محزوناً، وذلك من فعل الشيطان به، وربما لم
يحزن في منامه لكن يحزن إذا استيقظ، وهذا كله من الشيطان لأن تلاعب
الشيطان له دلالات يستدل بها المعبرون على أن ذلك ليس من الرؤى الحقة،
وإنما هو من تلاعب الشيطان والنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا صلى الفجر
غالباً من كل يوم فإنه يقبل على أصحابه فيسألهم: ((هل رأى أحدٌ منكم رؤيا))[4].
فيخبره من رأى منهم بما رأى، فربما عبرها لهم عليه الصلاة والسلام وذلك أن
الرؤيا الصالحة مبشرةٌ للمؤمن كما ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام
قال: ((لم يبق من النبوة إلا الرؤى الصالحة يراها المؤمن أو ترى له))[5] فإن الرؤى الصالحة هذه مبشراتٌ لأهل الإيمان.
وربما كانت
الرؤى الصالحة محذراتٍ لأهل الإيمان. فكم من صالحٍ رام أمراً فأتته الرؤيا
تحذره من غشيان ذلك الأمر، تحذره إما صريحاً أو بإشارة، ولهذا أهل العلم
الذين يعبرون الرؤى يستدلون بما رآه المسلم بل بما رآه الرائي، يستدلون
على تأويل الرؤيا بما رأى، تارة يستدلون باللفظ، وتارة يستدلون بالأشباه،
وتارة يستدلون بالأبدان وما بينهما من التناسق، وتارة يستدلون في تفسير
الرؤيا بما يحكيه الرائي، وكثير منها يكون من العلم الذي علمه الله جل
وعلا من شاء من عباده ولنعلمه من تأويل الأحاديث [يوسف:21].
والناس اليوم
خرجوا عما أرشدوا إليه شرعاً في كثير من أمور الرؤى، فمنهم من إذا رأى
رؤيا أسرع يسأل عنها كل من رأى، سواء علم منه أنه يعلم التأويل أم لا
يعلم، وهذا من الأمر الذي لا ينبغي، ذلك لأن تفسير الرؤى علم من العلوم،
والكذب فيه كذب على الملك، لأن الله جل وعلا جعل الملائكة تضرب الأمثال،
فإذا فسر المفسر رؤيا وهي ليست برؤيا بل بحدس وتخمين منه فكأنه قال للذي
رأى: هذا الذي رأيت رؤيا يعني أن الملك ضرب له المثل بذلك، وقد يكون ذلك
من تسويل الشيطان. وقد يكون ذلك من حديث النفس.
والمتعجلون في
هذا الأمر كثير، لذلك على المؤمن أن لا يسأل عن كل ما رأى، وعليه إن سأل
أن يتحرى الذين يعلمون الرؤى وعرفوا بذلك، وليس كل من عُرف بتأويل الرؤيا
وأصاب بكثير منها يلزم منه أن يصيب دائماً. وقد قال عليه الصلاة والسلام
لأبي بكراً لما سأل عن تعبير رؤيا فعبرها قال عليه الصلاة والسلام لأبي
بكر: ((أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً))[6]
وأبو بكر رضي الله عنه كان من المعروفين في تأويل الرؤى فلا يلزم من تعبير
المعبر لرؤيا إذا كان عنده علمٌ بذلك لا يلزم منه أن يصيب دائماً، لكن
الناس يتعجلون في هذا الأمر والذي ينبغي على المؤمن أن لا يحدث برؤيا، لأن
الرؤيا كما ذكرنا أعني ما يراه النائم في منامه على ثلاثة أقسام فمنها
رؤيا حق وهذه على قسمين أما تكون مفرحة وإذا كانت مفرحة فاحمد الله عليها،
احمد الله عليها وإن شئت أن تسأل فسل، ولا يلزم من تلك الرؤيا أن تسأل
عنها فإن عاقبتها إلى خير قال عليه الصلاة والسلام: ((الرؤيا على رجل طائر إذا عبرت وقعت))[7] والقسم الثاني أن تكون الرؤيا الحق فيها ما يحزن المرء إما بدلالة في الرؤيا وإما بما يعبره المعبر.
وهذا إذا سأل
عنه ربما أحزنه، والذي ينبغي إذا رأى المرء ما يحزنه أن يستعيذ بالله من
شرها وأن يتفل عن يساره ثم يتحول إلى الجنب الآخر كما قال عليه الصلاة
والسلام مرشداً من فعل ذلك: ((فإنها لا تضره))[8].
كذلك القسم
الثاني إلا وهو حديث النفس فإن النفس لها أحاديث فهذا راء رأى في منامه
أنه يشرب الماء الكثير جداً، يشرب البحر أو يشرب النهر أو يشرب عيناً
غدقاً كثيراً فأفزعه ذلك وإذا مردُ ذلك، إما إلى شبعه من طعام لم يشرب
عليه ماء وإما أن يكون مرد ذلك لعطشه إذا زاد أو تفكيراً من التفكيرات
التي فكر بها، فليس فكل ما يظنه الناس أنه رؤيا يكون بالحقيقة رؤيا، بل
كثيرٌ من الناس يرى ولا تكون رؤياه حقاً. بل تكون من أحاديث النفس أو تكون
من تسويلات الشيطان.
الرؤى يعتبرها
أهل العلم باعتبارات مختلفة لهذا مما يُنهى عنه أن يتعلق الناس - وبالأخص
النساء - بالكتب التي تفسر الأحلام. فكثير من الناس يحصل عنده كتب في
تفسير الأحلام فإذا رأى رؤيا، إذا رأى في منامه شيئاً أسرع من صبيحته إلى
ذلك الكتاب.
والرؤيا تعبيرها له شروط وتحتاج إلى علم واسع، وأحياناً لا يكون تفسيره له تعلقٌ بالرؤيا ألبتة.
1- رؤيا يوسف عليه السلام ورؤيا عزيز مصر وتأويلهما. 2- رؤيا الأنبياء وحي. 3- الرؤيا
الصادقة من الوحي وهي من الله. 4- الحلم من الشيطان. 5- مما يراه النائم ما هو حديث نفس.
6- تعبير الرؤيا علم لا يجوز أن يتحدث فيه إلا من يعرفه. 7- الاعتماد على الكتب في تعبير
الرؤى.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون اتقوا الله حق التقوى.
أيها المؤمنون:
إن الرؤى والأحلام تشغل كثيراً من الناس لأنه ما من يوم إلا ويحصل لهم فيه
رؤى أو أحلام، والشرع المطهر جاءنا بتفصيل أحكام الرؤى وتفصيل أحكام
الأحلام وما يتصل بهذه وتلك، بل إن أصولها جاءت في القرآن الكريم، ألم تر
سورة يوسف عليه السلام حيث أخبرنا جل وعلا أن يوسف عليه السلام رأى رؤيا
ثم تحققت هذه الرؤيا بعد كثير من السنين إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين [يوسف:4]. قال جل وعلا في آخر السورة: ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً [يوسف:100].
نعم إن إخوته
كانوا هم الكواكب وكان أبوه وأمه هما الشمس والقمر، كذلك في تلك السورة
أخبر الله جل وعلا عن الملك الكافر أنه رأى رؤيا فجاءت رؤياه حقاً قال جل
وعلا عن الملك: وقال
الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر
يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين[يوسف:43-44].
ونبينا عليه
الصلاة والسلام أول ما بدأ به الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا
جاءت مثل فلق الصبح، يعني يراها كما هي، عياناً في الواقع كما رآها
مناماً. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة))[1].
قال كثير من العلماء: لعل معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول
ما بدأ به الوحي أنه يرى الرؤيا فتجيء مثل فلق الصبح فاستمر ذلك معه قبل
نزول جبريل عليه السلام عليه ستة أشهر ثم إنه عليه الصلاة والسلام استمرت
نبوته ورسالته ثلاثاً وعشرين سنة فكانت الرؤيا نصيبها جزءاً من ستة
وأربعين جزءًا من النبوة.
والرؤى لها
مقام عظيم، من أول البشرية كان الناس يعتنون بها لأن أمرها غريب ولأن
شأنها عجيب، ولهذا قلّ أن يكون زمن إلا وفيه معبرون يعتنون بتعبير الرؤيا
ويهتمون بذلك لأنها تشغل الناس.
والله جل وعلا
بين أصول الرؤى وأنها تنقسم إلى رؤيا من المسلم المؤمن الكامل، وتلك تكون
رؤيا حق، وكذلك قد تكون الرؤيا الحق من الكافر الذي يشرك بالله جل وعلا.
قال أهل العلم: الروح - روح الإنسان - ثلاثة أنفس. فإن الروح منقسمة إلى
أنفس كما قال جل وعلا: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تَمُت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى[الزمر:42].
فالروح أنفس، والأنفس في حال المنام منها نفسٌ تكون مع النائم يتردد بها نفسه وتستقيم بها حياته.
ونفسٌ أخرى
يقبضها الله جل وعلا ويتوفاها فتكون عنده. والنفس الثالثة تسرح وتذهب
هاهنا وهناك منفصلة عن البدن، وكل هذه الأنفس قريبة من البدن تعود إليه في
أقرب من لمح البصر.
أما النفس التي
تتجول فهذه النفس هي التي يحدث منها ومن تجوالها الرؤى والأحلام، فإذا
أمسكها ملك وضرب لها الأمثال إما بالألفاظ وإما بالأشكال وإما الوقائع
والذوات والقصص فإن الرؤيا تكون حينئذ من ضرب الملك، وهذا القسم هو الرؤيا
التي هي الحق.
والقسم الثاني
أن يأخذها الشيطان فيتلاعب بها تلاعباً، يري الإنسان ما يغيظه، ويري
الإنسان ما يكرهه وينغص عليه منامه، فقد جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: يا رسول الله رأيت البارحة كأن رأسي قطعت فأخذت أتبعها قال
عليه الصلاة والسلام: ((لا يخبر أحدكم بتلاعب الشيطان به في منامه))[2].
كذلك قد تكون
تلك النفس تتجول ويؤثر عليها تعلقها بالبدن، فإذا شبع الإنسان مثلاً أثر
شبعه على تلك النفس فإذا كان في نفسه من الخواطر ما فيه أثر ذلك على نفسه
فرأى ما شغل باله أو رأى ما أثر عليه من بدنه، لهذا ثبت في الصحيح صحيح
مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الرؤيا ثلاثة أقسام، فمنها ما هو حقٌ يضربه الملك ومنها ما هو تلاعب يتلاعبه الشيطان بأحدكم، ومنها ما هو حديث نفس))[3].
وهذه هي أقسام الرؤيا فمنها ما يكون حقاً يضربه الملك لك أيها المؤمن، بل
يضربه الملك للمؤمن والكافر، فيكون بتلك الأمثال بشارات يعقلها العلماء
كما قال جل وعلا: وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون[العنكبوت:43].
ومنها ما يكون
من تلاعب الشيطان، يُري الشيطان نفسه للإنسان، يعني يري نفسه التي أخذها
في المنام وذهب بها إلى هاهنا وهاهناك، يريه أشياء مفزعة يريه أشياء
تحزنه، فيكون الإنسان في منامه محزوناً، وذلك من فعل الشيطان به، وربما لم
يحزن في منامه لكن يحزن إذا استيقظ، وهذا كله من الشيطان لأن تلاعب
الشيطان له دلالات يستدل بها المعبرون على أن ذلك ليس من الرؤى الحقة،
وإنما هو من تلاعب الشيطان والنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا صلى الفجر
غالباً من كل يوم فإنه يقبل على أصحابه فيسألهم: ((هل رأى أحدٌ منكم رؤيا))[4].
فيخبره من رأى منهم بما رأى، فربما عبرها لهم عليه الصلاة والسلام وذلك أن
الرؤيا الصالحة مبشرةٌ للمؤمن كما ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام
قال: ((لم يبق من النبوة إلا الرؤى الصالحة يراها المؤمن أو ترى له))[5] فإن الرؤى الصالحة هذه مبشراتٌ لأهل الإيمان.
وربما كانت
الرؤى الصالحة محذراتٍ لأهل الإيمان. فكم من صالحٍ رام أمراً فأتته الرؤيا
تحذره من غشيان ذلك الأمر، تحذره إما صريحاً أو بإشارة، ولهذا أهل العلم
الذين يعبرون الرؤى يستدلون بما رآه المسلم بل بما رآه الرائي، يستدلون
على تأويل الرؤيا بما رأى، تارة يستدلون باللفظ، وتارة يستدلون بالأشباه،
وتارة يستدلون بالأبدان وما بينهما من التناسق، وتارة يستدلون في تفسير
الرؤيا بما يحكيه الرائي، وكثير منها يكون من العلم الذي علمه الله جل
وعلا من شاء من عباده ولنعلمه من تأويل الأحاديث [يوسف:21].
والناس اليوم
خرجوا عما أرشدوا إليه شرعاً في كثير من أمور الرؤى، فمنهم من إذا رأى
رؤيا أسرع يسأل عنها كل من رأى، سواء علم منه أنه يعلم التأويل أم لا
يعلم، وهذا من الأمر الذي لا ينبغي، ذلك لأن تفسير الرؤى علم من العلوم،
والكذب فيه كذب على الملك، لأن الله جل وعلا جعل الملائكة تضرب الأمثال،
فإذا فسر المفسر رؤيا وهي ليست برؤيا بل بحدس وتخمين منه فكأنه قال للذي
رأى: هذا الذي رأيت رؤيا يعني أن الملك ضرب له المثل بذلك، وقد يكون ذلك
من تسويل الشيطان. وقد يكون ذلك من حديث النفس.
والمتعجلون في
هذا الأمر كثير، لذلك على المؤمن أن لا يسأل عن كل ما رأى، وعليه إن سأل
أن يتحرى الذين يعلمون الرؤى وعرفوا بذلك، وليس كل من عُرف بتأويل الرؤيا
وأصاب بكثير منها يلزم منه أن يصيب دائماً. وقد قال عليه الصلاة والسلام
لأبي بكراً لما سأل عن تعبير رؤيا فعبرها قال عليه الصلاة والسلام لأبي
بكر: ((أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً))[6]
وأبو بكر رضي الله عنه كان من المعروفين في تأويل الرؤى فلا يلزم من تعبير
المعبر لرؤيا إذا كان عنده علمٌ بذلك لا يلزم منه أن يصيب دائماً، لكن
الناس يتعجلون في هذا الأمر والذي ينبغي على المؤمن أن لا يحدث برؤيا، لأن
الرؤيا كما ذكرنا أعني ما يراه النائم في منامه على ثلاثة أقسام فمنها
رؤيا حق وهذه على قسمين أما تكون مفرحة وإذا كانت مفرحة فاحمد الله عليها،
احمد الله عليها وإن شئت أن تسأل فسل، ولا يلزم من تلك الرؤيا أن تسأل
عنها فإن عاقبتها إلى خير قال عليه الصلاة والسلام: ((الرؤيا على رجل طائر إذا عبرت وقعت))[7] والقسم الثاني أن تكون الرؤيا الحق فيها ما يحزن المرء إما بدلالة في الرؤيا وإما بما يعبره المعبر.
وهذا إذا سأل
عنه ربما أحزنه، والذي ينبغي إذا رأى المرء ما يحزنه أن يستعيذ بالله من
شرها وأن يتفل عن يساره ثم يتحول إلى الجنب الآخر كما قال عليه الصلاة
والسلام مرشداً من فعل ذلك: ((فإنها لا تضره))[8].
كذلك القسم
الثاني إلا وهو حديث النفس فإن النفس لها أحاديث فهذا راء رأى في منامه
أنه يشرب الماء الكثير جداً، يشرب البحر أو يشرب النهر أو يشرب عيناً
غدقاً كثيراً فأفزعه ذلك وإذا مردُ ذلك، إما إلى شبعه من طعام لم يشرب
عليه ماء وإما أن يكون مرد ذلك لعطشه إذا زاد أو تفكيراً من التفكيرات
التي فكر بها، فليس فكل ما يظنه الناس أنه رؤيا يكون بالحقيقة رؤيا، بل
كثيرٌ من الناس يرى ولا تكون رؤياه حقاً. بل تكون من أحاديث النفس أو تكون
من تسويلات الشيطان.
الرؤى يعتبرها
أهل العلم باعتبارات مختلفة لهذا مما يُنهى عنه أن يتعلق الناس - وبالأخص
النساء - بالكتب التي تفسر الأحلام. فكثير من الناس يحصل عنده كتب في
تفسير الأحلام فإذا رأى رؤيا، إذا رأى في منامه شيئاً أسرع من صبيحته إلى
ذلك الكتاب.
والرؤيا تعبيرها له شروط وتحتاج إلى علم واسع، وأحياناً لا يكون تفسيره له تعلقٌ بالرؤيا ألبتة.
رد: الرؤى والمنامات
موضوع حلو شكرا
فطومة-
عدد الرسائل : 76
العمر : 36
نقاط : 5770
تاريخ التسجيل : 08/02/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى